(2 )
استيقظ بيتر تمام الرابعة وأيقظ معه مانتل وصارا جاهزين بعد ثلث ساعة تماماً. عاد إلى مسرح الجريمة وجلس على المقاعد المخصصة للمشاهدين ومعه مانتل, أحضر لهما الشرطة كوبان من القهوة. انتظرا ربع ساعة حتى حضر المحقق فليب لانج, كان يفرك عينه ويتثاءب حتى جلس في الصف الأمامي من المقاعد مقابلاً لبيتر ومانتل, قابله بيتر بابتسامته الباردة وقال:
ـ صباح الخير سيد لانج, أتمنى أنك تكون قد قضيت ليلة جميلة؟!
ـ أجل سيد كوريندكانت, يبدو ذلك! هل حضر رئيس مسرح التمثيل؟
ـ لا بتاتاً, أخبرني أحد رجال الشرطة أنه مسافر منذ أكثر من أسبوعين, لكن عوضاً ذلك أحضروا لي الورقة الدفتر الذي به حجز الغرف.
ـ وهل تأكدت من ما كنت تشك فيه؟
ـ تقريباً! تبقى القليل لحل هذا اللغز, أما الآن فسأبدأ ـ مع صديقي مانتل ـ في استجواب الفرقة الموسيقية.
صاح فليب:
ـ أراهن أن القاتل واحد منهم, فالآنسة آن كما تعلم متعجرفة وسيئة التعامل مع الآخرين, فلا شك أن أحدهم قتلها وسرق خاتمها أيضاً.
أنتفض بيتر وتطايرت القهوة من فمه, سأل وأمارات الدهشة على وجهه:
ـ خاتم؟! أي خاتم؟
ـ خاتم المغنية سيد كوريندكانت, ألم لا تلاحظ أثره على بنصرها؟
ـ أوه! ما أشد حماقتي؟َ! كيف فآتني ذلك؟
ـ كان هذا واضحاً سيد بيتر, وقد حجزنا جميع الفرقة في غرف معينة في الفندق المجاور, وهم الآن في طريقهم إلى هنا.
في تلك اللحظة جاء أفراد الفرقة الموسيقية السبعة, كانت صفاتهم تماماً ما استنتج بيتر, أربع رجال كُهول يسيرون مع بعضهم, فتاتان في الثلاثين من العمر, وأخرى شابة عشرينية تسير بحياء خلف البقية.
نهض بيتر وألقى عليهم التحية وقال:
ـ مرحباً يا سادة, ويا آنسات, أود جمع بعض المعلومات منكم, وأرجو أن تكونوا متعاونين معي لنكسب الزمن ونحل هذه القضية في أسرع وقت.
وافق الجميع وأبدوا تجاوبهم, لاحظ مانتل أثناء الاستجواب أن صديقه يسأل أسئلة عادية وكأنه يحاول تضيع الزمن بهذا الاستجواب. انتهى من ذلك وجلس مع مانتل وفليب وقال:
ـ تمت العملية بسلاسة تامة ! وقد قالوا لي جميعاً نفس الكلام… أخبروني بما حدث وسأقول لكم ما تردد على سامعي من السبعة جميعاً. أرسلت المغنية إلى السبعة أفراد تطلب منهم التهيؤ للحفل المنشود هنا في بلوشان , وحسب ظني فهو حفل ضخم كان سيحضره عدد ضخم من كبار الشخصيات. طلبت منهم الحضور صباحاً كما يفترض لكنها اعتذرت وطلبت منهم الحضور تمام الرابعة وهذا فعلاً ما حدث, فقد اجتمعوا جميعاً وتحركت الحافلة إلى بلوشان واستغرقت الرحلة ثلاث ساعات ونصف وعند وصولهم إلى هنا نزل السبعة في الفندق بينما توجهت الآنسة جوردن نحو المسرح لتعاين مكان الذي ستغني فيه!
تدخل مانتل:
ـ مما يعني أن لا أحد يعرف ما حل بها بعد ذلك؟
تبسم بيتر بخبث حتى بانت أنيابه ورد على صديقه ببرود تام مربك:
ـ أجل أيها الصديق, لا أحد!!! أما الآن فمن الأفضل الذهاب نحو مسرح التمثيل مجدداً.
نهض الثلاثة واتجهوا نحو الخارج, كانت الشمس قد بزغت والساعة السابعة قد حلت, و أثناء وقوف الثلاثة عند باب المسرح توقفت سيارة أجرة وترجلت منها فتاة ممتلئة الجسد, شقراء الشعر وتردي معطفاً من الفرو يتدلى حتى أسفل ركبتيها, راحت تمشي مسرعة وتتمايل يمنى ويسرى بسبب حذاءها ذو الكعب العالي حتى صارت على مقربة الرجال, ناداها صاحب السيارة:
ـ يا آنسة, يا آنسة! الأجرة!
أكفهر وجهها وأرادت أن تعود مروراً بهذا الطريق الثلجي, أوقفها بيتر وقال بلباقته المعتادة:
ـ دعكي منه يا آنسة, سأتولى أمره!
تقدم بيتر نحو سائق سيارة الأجرة وطلب من مانتل مرافقته, ركب السيارة وصاح مخاطباً فليب:
ـ سأقضي بعض الأمور برفقة صديقي بلاسم وأعود, انتظرني هنا.
جلس بيتر قرب السائق ـ على غير طبيعته وتعاليه! ـ بينما استقر مانتل في المقعد الخلفي, ألتفت بيتر نحو وقال:
ـ صديقي مانتل بلاسم!
ـ أجل.
ـ ماذا عن استعادة أمجاد الماضي!
لم يفهم مانتل مغزى صديقه, لكن نبرته والحماس في صوته دفعه للرد بثقة:
ـ وما المانع عزيزي بيتر, ما المانع!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند تمام التاسعة والنصف, عاد السيد كوريندكانت إلى مسرح الزرقاء وأسرع إلى الداخل, تجاهل كل من في طريقه واختفى وراء الكواليس للحظات ثم عاد وهو مشرق الوجه وجلس على خشبة المسرح, هرول المحقق فليب حتى وصله وقال:
ـ سيد كوريندكانت؟ ما الأمر؟ لماذا تأخرت؟ هل اكتشفت شيئاً ما؟
ـ لا تسأل كثيراً سيد لانج, ما هي إلا لحظات وسكون اللغز قصة يتسلى بها الشعب, لكن دعني أسألك سؤالً, هل الفتاة التي جاءت بسيارة الأجرة هي المغنية إيملي كروز؟
ـ أجل, هي نفسها.
ـ وماذا كانت تفعل؟ أعني ما سبب مجيئها إلى هنا؟
ـ كما تعلم فإنها ابنة السيد جون كروز رئيس المسرح في بلوشان, وبما أن والدها مسافر, فهي تتولى العمل بالنيابة عنه, وأظنها حضرت لتنجز بعض الأعمال.
ـ هذا عظيم, عظيم جداً.
دخل في تلك اللحظة رجل عجوز محنى الظهر, رث الملابس وأشعث اللحية, تقدم بتثاقل وبيده حمالة مفاتيح وتوقف صوب الفرقة الموسيقية وراح يتحدث معهم. انتصب بيتر واقفاً وراح يصفق, توجهت أنظار الجميع إليه, قال للجميع بصوت مسموع جهوري:
ـ هلا جلستم جميعاً يا سادة, ويا سيدات, أود توضيح بعض الأمور.
نزل فليب من خشبة المسرح وهمس لبيتر وهو يتجه نحو أحد المقاعد:
ـ ينتابني شعور جيد حين أراك ترتدي هذه البدلة الخضراء والساعة البرونزية. أشعر حينها أن الجريمة صارت محلولة لا محالة.
كان الجميع منتبهاً معه, الفرقة الموسيقية, الآنسة إيملي كروز, العجوز الأشعث ورجال الشرطة. نظر إليهم بيتر وهو مبتسم وقال:
ـ أود أن أكشف لكم حل لغز مقتل المغنية الشابة, ودعوني أخبركم أن دافع الجريمة كان الأمر الوحيد المخفي عني حتى عرفته قبل ساعة! حسناً, إليكم ما حدث… وجد رجال الشرطة جثة آن جوردن ممدة خلف المسرح مباشرة وحسب كلام الطبيب الشرعي ـ وكلامي أنا ـ فسلاح الجريمة الذي لم ـ ولن ـ نجده كان عبارة إبرة سامة وُخزت بها الضحية عدة مرات حتى ماتت! ولو نظرنا إلى الأمر هكذا فمن المستحيل معرفة القاتل, لذا قررت البحث عن مزيد من الأدلة. ساعدني السيد لانج كثيراً حين نبهني أن بنصرها كان يحتوي خاتماً لكننا لم نجده وأظن أنني سهيت عن ذلك بسبب بشرة القتيلة الشاحبة والجو البارد.بعد استجوابي للفرقة الموسيقية تأكدت تماماً أنهم أبرياء ولا أحد منهم فعل ذلك. الآن دعوني أذكر لكم بعض الأشياء التي هدتني للوصول إلى القاتل, أولاً المعطف الأسود الخاص بها, كان من النوع الذي يحتفظ بالرائحة, لاحظت في الذراع الأيسر للمعطف رائحة عطر غير ذلك الذي تستخدمه, ولا أظن أنك المشاهير والأغنياء يستخدمون عطراً واحداً مميزاً ولا أظن أنها تستخدم عطر أخر, لذا فتفسيري لذلك جلوس شخص ما بالقرب منها وبالأخص على شمالها مما أدى إلى طبع رائحة العطر عليها, وكذلك لاحظت أن ذراع معطفها الأيمن به بقايا تبغ محروق, مما يعني أنها كانت تحمل سيجارتها ولمن تدخن شيئاً منها. لكن ماذا يعني هذا؟ حسب معرفتي البسيطة استنتجت أن الشخص الجالس على يسارها خائض معها في حديث مهم لدرجة أنها نسيت أمر السيجارة واحترقت هباءً. لكن عندما فحصت مقاعد الحافلة, وسألت الفرقة الموسيقية أكدوا لي أنها كانت تجلس وحدها ولا أحد بالقرب منها, إضافة لذلك فمقاعد الحافلة تقع على الجانب الأيسر والضحية كانت تجلس على الكرسي المقابل للنافذة, مما يعني, أن آن قد ركبت في سيارة أخرى قبل ركوبها الحافلة, ولكن ما المانع في ذلك؟ لا يوجد قانون يمنع المغنيات من ركوب سيارات أخرى حسب ظني!
رفع المحقق لانج يده في تلك اللحظة طالباً من بيتر أن يتوقف, أشار إلى العجوز بأن يخرج لكون التحقيقات سرية لكن أحد أفراد الطاقم أعترض أخبر فليب أنه سائق الحافلة الجديد الذي سيعدهم إلى ويفت بعد انتهاء التحقيق.
أكمل بيتر وهو يجوب المسرح:
ـ أثناء بحثي عن سلاح الجريمة لاحظت وجود سيف وأزياء في هذا المسرح, و حين سألت صديقي مانتل بلازم عن ذلك, أخبرني أن مسرح التمثيل محدود الغرف, لذا يأتي البعض ليتدرب على عروضه هنا, ما أثار شكي هو أنني من المحبين للعروض المسرحية وأن العرض الخاص بالفايكنج والذي وجدت أدواته بالخلف هنا هو عرض ذا أهمية كبرى ويُخطط لتنفيذه منذ فترة, فكيف يتدرب أبطاله هنا؟ هل المسرح ممتلئ الغرف؟ قررت الذهاب إلى مسرح ” ذا أرت ” لأتأكد من ذلك بنفسي, وقد فتشت الغرف الستة التي يُتدرب فيها لعروض ستُعرض بعد أكثر من أسبوعين والصراحة أن جميع الغرف ممتلئة بالأزياء والسيناريوهات, إلا غرفة واحدة! والعرض الخاص بأصحابها يدور عن الكيمياء وما شابه! لاحظت في تلك الغرفة عدم وجود أزياء أو أوراق خاصة بالتمثيل, كانت أشبه بمعمل كيمياء وليس كغرفة تدريب. ومن الأشياء التي لفتت نظري إناء زجاجي يحتوي على محلول نترات النحاس زرقاء اللون! وحين تفحصت الإناء عن كثب لاحظت سلكاً رفيعاً جداً في القاع مع تجمع حبيبات بيضاء لامع
احظت سلكاً رفيعاً جداً في القاع مع تجمع حبيبات بيضاء لامعة. لكن دعونا من هذا, ولننتقل إلى أمر أخر, لننتقل إلى ما حدث صباح اليوم. طلبت من أحد رجال الشرطة الدفتر الخاص بحجز غرف التدريب وقد أحضره لي صباحاً وتفقدت ختم رئاسة المسرح وتوقيع السيد كروز على جميع الغرف, حتى غرفة عرض الكيمياء الغريب, لكن ما أرتبت فيه أن أثر التوقيع لغرفة عرض الفايكنج أقدم من توقيع غرفة العرض المتعلق بالكيمياء, وعندما دققت أكثر لاحظت أن الحبر المستخدم في توقيع العرض المتعلق بالكيمياء حديث جداً! ولم أعرف ما الأمر حقاً… دعوني من هذا ولننتقل إلى أمر أخر فبأي حال أظن أن عرض الكيمياء ألغي وأعادوا أصحاب عرض الفايكنج إلى الغرفة, وهذا جيد وأظن أنني أنا ومانتل بلاسم سنستمتع بالعرض ـ في حال عدم حدوث مشكلة ـ
عند السابعة صباحاً ـ أي قبل ثلاث ساعات ـ جاءت المغنية الشهيرة إيملي كروز إلى هنا بسيارة أجرة! وكانت على عجلة من أمرها وأذكر أنني ساعدتها في كسب زمنها ودفعت الأجرة بدل عنها, بل أنني استخدمت السيارة ذاتها لقضاء بعض الأغراض ومعي صديقي مانتل. جلست قرب السائق وتحدثت معه بشأن الآنسة روز وطلبت منه أن يأخذني إلى الأماكن التي أخذ إليها الآنسة وقد فعل, أولاً توجهنا نحو محل أحد صائغي الذهب وبعد حديثي معه أحد لي أنك فتاة شابة ذات معطف أعطته خاتماً مميزاً وطلبت منه إعادة تشكيلة ليكون خاتم عادي الشكل! وحين تفحصت الخاتم فوجئت بأنه الخاتم ذاته الذي وجدته في حقيبة الضحية لكن بمقاس أكبر ومن هنا استنتجت أن الخاتم عبارة عن هدية أو وسام من جهة معينة وقد سُلم لفتاتين بأصابع مختلفة الحجم. وبعد ذلك قادني إلى مسرح ” ذا أرت ” حيث قضت في الداخل بضع دقائق وعادت وطلبت منه التوجه إلينا هنا, في المسرح.
هبط من أعلى المسرح وراح يمشى بين المقاعد:
ـ أعتذر عن كلامي غير المنظم, والآن فلننتقل إلى كشف الحقائق. عند قدوم إيملي كروز إلى المسرح لاحظت العطر الذي تضعه, وأثر الخاتم على أصبعها, فربطت ذلك بالعطر على ذراع المعطف, وعلى الخاتم الكبير الذي يتطابق تماماً مع أصابع الآنسة إيملي كروز, ومن هنا تأكدت تماماً أن إيملي هي من كانت مع الضحية في السيارة صباح اليوم وبسببها أجلت قدومها إلى بلوشان حتى العصر, ومن الجدير ذكره هنا أن السائق تغير في تلك اللحظة وقد قاد الحافلة سائق أخر, وهذا طبيعي حسب ما ذكر رجال الفرقة الموسيقية لي! فالآنسة جوردن تمتلك الكثير من السائقين لدرجة أنها تلجأ إلى الملفات للتميز بينهم عند دفع الأجور!! لكن ماذا كانت إيملي تفعل معها؟ وما الأمر الذي جعلها تنسى تدخين سيجارتها؟ الإجابة على هذا السؤال تكمن في الخاتم يا سادة! أجل, في تلك المحادثة تبادلت المغنيتان الخواتم لسبب ما, ولمعرفة هذا السبب دعونا نعرف ماهية الخاتم, ماذا يعني هذا الخاتم يا ترى؟ وما هي الجهة التي سلمته لهما؟
بالعودة إلى الماضي يمكنكم أن تتذكروا ذاك المهرجان الكبير الذي حدث في الهند, وأظن أن الرجال في الفرقة الموسيقية كانوا يعزفون هناك, وفي ذلك الحفل برزت موهبة إيملي و آن ذوات التسعة عشر عاماً, وهناك قدم لهم السيد الشهير والتر وايت هذه الخواتم وأظنها كانت كبيرة حينها حتى صارت تناسبهم الآن! لكن لماذا تبادلتا الخواتم؟ إذا دققنا النظر في الخاتم سنرى نقش صغيراً بالرقم 1 في إحداهم والرقم 2 في الأخر, وأظن أن السيد وايت فضل إحداهن على الأخرى. ومع مرور الأيام اكتشفت إيملي ذلك حيث صُنفت رقم 2 مما أغضبها أثار حقدها على صديقتها, لكنها تناست الأمر مع الأيام. لكن السؤال لم يُجب عنه بعد, لماذا تبادلتا الخواتم؟
في البارحة حضرت حفلاً نظمه صديقي الجراح ريتشارد وكان السيد وايت الابن حاضراً وأخبرني أن والده ينوي حضور حفل آن جوردن واصطحابها إلى لندن! وأظن أن هذا الخبر كان منتشراً بين الفنيين الكبار, لذا تخلصت إيملي من الخاتم الذي يثبت جدارة صديقتها و…
صاح فليب متحمساً:
ـ وقتلتها؟!
ـ لا سيد لانج, لا تتسرع, هي لم تقتلها, هي أرادت فقط أن تزيحها من طريقها, وظنت أنها بواسطة هذا الفعل قد تجعل السيد والتر وايت يختارها هي, لكن الشخص الذي أقنعها بفعل ذلك هو القاتل!
ـ من هو يا بيتر؟
ـ إنه سائق الحافلة!
ألتفت أنظار الجميع إلى العجوز الأشعث لكن بيتر صاح مصححاً:
ـ ليس هذا, بل السائق الذي أحضرها من مدينة ويفت يا سادة! كان التأخر في الزمن مقصوداً, فالسائق لا يعمل إلا في الفترة الصباحية, لذلك حل محله سائق أخر قاد الفرقة والمغنية إلى بلوشان, وبعد أن أنزل فرقة في الفندق, قاد المغنية إلى المسرح لترى المكان الذي ستغني فيه ـ علماً أن المسرح سكون مغلقاً في ذلك الوقت ـ إذاً من لديه القدرة على فتح المسرح؟ إنه ليس محلاً صغيراً, إنه مسرح كامل عتيق ولا أظن أنه أحد له القدرة على فتح المسرح إلا كان ذا نفوذ عالي, كنت لأشك في السيد جون كروز لولا انه مسافر! أمزح وحسب لا عليكم… بعد أن وخز الضحية بالإبرة السامة قرر أن يخفي سلاح الجريمة, لكن أين يمكن أن يخفيه كي لا يجده أحدهم؟ قرر التخلص منه نهائياً وبالفعل جعل السلاح يتلاشى لتكون جريمة بلا سلاح!
ـ هلا وضحت.
ـ لك ذلك سيد لانج… يكمن السر في العرض المتعلق بالكيمياء, لقد كانت الأدوات هنا في مسرح الزرقاء لكن تم نقلها إلى المسرح الأخر مكان الغرفة المخصصة لعرض الفايكنج.لأكون واضحاً أكثر فعرض الكيمياء كان خدعة لإخفاء سلاح الجريمة, أظن أنني وأنت سيد لانج لاحظنا الإناء الزجاجي المحتوى على محلول نترات النحاس مع سلك رفيع في القاع وتكتلات بيضاء لامعة, هذا التكتلات ما هي إلا ذرات فضة! والسلك الرفيع هو سلاح الجريمة, تفاعل كهروكيميائي بسيط, الإبرة النحاسية تغمر في محلول نترات الفضة, تحل الفضة محل النحاس والعكس فيصبح المحلول الأبيض أزرقاً وتتحول الإبرة النحاسية إلى سلك رفيع ويختفي سلاح الجريمة! فكرة عبقرية بحيث لن يفكر أحد في ذلك. لكن مادام العرض المتعلق بالكيمياء خدعة, كيف يحصل العرض على غرفة؟ بالطبع لأن السيد جون كروز وقع ذلك, وهو بالفعل فعل ذلك! لأنه هو القاتل!
صاح المحقق فليب:
ـ لكنك قلت السائق؟ والسيد كروز مسافر؟!
ـ ليس لدينا إثبات يا سيد لانج أنه مسافر, ومن أبرع من الممثل العتيق جون كيرنر أن يتقمص شخصية سائق نكرة؟! وسأخبرك بالأدلة التي كشفت لي الحقيقة, أولاً توقيعه على العرض الخاص بالكيمياء, عندما فحصت الحبر تأكد لي الكتابة تعود للأمس, ثانياً أثار الأقدام على الثلج, تعود لرجل ذو حذاء مميز ولا أظن أن سائق حافلة قد يمتلك حذاءً كذلك, ثالثاً وأخيراً النقط السوداء على قفازه الأبيض الناتجة من تعرض نترات الفضة الجافة لأشعة الشمس, وبهذا صارت الحقائق واضحة بالنسبة لي… خطة ذكية من الممثل البارع جون كيرنر, ليجبر السيد وايت بأن يختار صغيرته بدل آن جوردن!
وقف خلف العجوز الأشعث وقال مخاطباً فليب:
ـ خذ المغنية إلى مركز الشرطة, وأظنك ستجد السيد جون كيرنر في محل الصائغ ينتظر قطعة الذهب الجديدة!
فعل الشرطة ما طلبه بيتر, تقدم فليب لانج وصافح بيتر:
ـ كم أنا محتار يا بيتر, أتمنى أن أحصل على دماغك في حياة أخرى!
ـ أتمنى ذلك أنا أيضا!
ـ من المحزن أن بلاسم ليس هنا ليستمتع بهذا الاستنتاج المهيب!
ـ من قال ذلك؟ صديقي مانتل لم ولن يفوت تحقيق لي.
ضحك العجوز الجالس أمامها وألتفت إلى الخلف, أزال اللحية والزينة من على وجهه فإذا به مانتل بلاسم! متنكراً في زي سائق الحافلة.
ضحك فليب ويديه أعلى رأسه وقال:
ـ أقسم بالله أنكم كائنات من عالم أخر؟ ماذا سنفعل من دونكم؟!
قال بلاسم:
ـ طلب مني بيتر فعل ذلك ليتأكد أن الفرقة لا تميز تغير السائق, وبالفعل رحبوا بي وكأني فرد منهم!
تدخل بيتر:
ـ أشياء صغيرة قادتنا إلى حقائق ضخمة, كتلك البقعة الزرقاء على فستان إيملي وربطته بأنها ذهبت إلى المسرح لتخفي أثار جريمة والدتها.
أردف وهو يرمي بنفسه على أحد المقاعد:
ـ لكن أعترف بأنها جريمة محكمة, لولا رائحة عطر الآنسة كروز على المعطف والمقعد على الناحية اليسرى من الحافلة, لكنا نتخبط بين الأدلة ونشك في أفراد الفرقة الشريفة!