في أحدى الأحياء السكنية ..
حيث يعم الهدوء بعيداً عن صخب وسط المدينة .. وتتعانق المنازل مجسدةً أواصر الترابط بين ساكينيها .. الجار وحق الجار و المار في الطريق .. يتبادلون التحايا و الابتسامات .. يقفون وقفة رجل واحد في أفراحهم وأتراحهم ..
كل شيء كان عادياً .. عدا ذاك المنزل الذي يقبع في ناصية الطريق .. !
تحيطه بعض الشجيرات الصغيرة .. عدا شجرة واحد تقف شامخة وكأنها تحكي قصة صمودها الطويل .. كانت أغصانها تتدلى لتلامس أرض الشارع من جهة .. وساحة المنزل من جهة أخرى بعد أن تخطت السور المشيد ..
كان المدخل مفتوحاً كالعادة .. ليستقبل كل زائر .. وكل مار ..
كل شيء هادئ .. حتى تقترب من الباب ..
لتسمع أصوات الجدال .. و تتعالى الأصوات .. و تختلط بصوت بكاء ونحيب ، وأخرى أصوات دعاء و تضرع ..
على صوت غاضب ..
” دا كلام شنو البتقول فيه دا يا عماد ” ..
رد عماد بصوت أعلى ..
” دا الكلام الصااح ، بت شنو البتختفي خمسة يوم ما نعرف ليها طريق ويفضل اسمها في اسمنا و نفتش عنها .. مفروض تعتبروها ماتت ” ..
ألقى بكأس الماء الذي يحمله على الحائط بقوة .. حتى تناثرت أجزاؤه في كل مكان ..
” عمااااد ، أحسن تحترم نفسك دام لسى أنا محترمك .. وما بسمح ليك تغلط في أختي لو على موتك فااهم .. ” ..
تحدث بسخرية ..
” أختك يا الفالح ، تايهة في الشوارع .. دا طبعا اذا ما مشت برجليها والله أعلم تكون بتعمل في شنو .. ” ..
استشاط غضباً ..
” عماااااد ” ..
كاد ينقض عليه لولا صوت عمه الذي دخل .. وقال بصرامة
” محمد ”
” عليكم الله أخجلو أخجلو يا رجال يا كبار .. الناس في مصابها وانتو تتجادلو في كلام فاضي .. ” ..
والتفت الى عماد ..
” وانت .. بالله خليت للغربا شنو لو انت ولد عمها بتقول كدا .. اتق الله دي عرضك و زي أختك .. ”
تحرك بعكازه ..
حتى جلس الى اقرب كرسي ..
وتمتم بدعاء يسترجي أن يعيدها إليهم سالمة ..
” محمد أمشي لأبوك واقيف معاهو جو ناس الشرطة هسي ” ..
بصوته الجهوري ..
” وانت أبوك وين يا عماد ؟ ” ..
اجاب بضجر ..
” في الغسيل ” ..
صمت ..
يعلم حال أخيه .. وما يعانيه ..
كان اهوج في صباه كولد تماماً .. لكن الآن المرض اقعدته .. اخذ منه ما قد أخذ ..
تمتم بدعاء يرجو الشفاء لأخيه .. !
تراءى الى نظره ..
مهند الذي يقف وراء الباب بهدوء ..
” لا حول ولا قوة الا بالله .. تعال يا مهند تعال ” ..
لم يصدق هذا النداء فجاء يركض الى عمه في خوف ..
بعد كان شاهداً على هذا النزاع بين أخيه وابن عمه .. مع أنه لم يفقه الكثير مما دار بينهما .. لكنه يعلم قطعاً أنه عن اخته التي لا يعلم أين أختفت .. وخلفت خلفها بيتاً اهتزت عروشه .. والده يجلس طوال الوقت ساهباً .. يذكر الله كثيراً ..وتدمع عيناه حينا ويخفيها .. والدته لازمت السرير بعد أن هالها الخبر ولم تحتمل فسقطت مغشياً عليها وهاهي تلازم السرير ولا تقوم الا لتلازم سجادتها .. ودموعها لا تنتهي .. اما أخوه..
يخرج صباحاً ولا يعود الا مساءً بعد أن يكون قد مشط الشوارع ذهاباً وإياباً عله يلمح طيفها في مكان ما .. وما ان يعود حتى ينطلق هذا الجدال الذي لا يتوقف مع ابن عمه ..
وهو دائر بينهم .. لا يعلم ماذا يفعل .. او الى اين يتجه ..
وجد في حضن عمه كبير العائلة بعض الأمان الذي فقده .. الجميع يتحدث عن الشر في الخارج ..
عن اخته التي خطفها الشر من بينهم ..
دس رأسه أكثر في حضن عمه ..
والذي بدوره ربت على ظهره بحنان بالغ ..